التقسيم هو الحل بـ حدود الدم

لابدَّ أنك سمعتَ خلال العقد السابق والحالي عبر شاشات التلفزة وقرأتَ في الصحف والمجلات المعنية، عبارات تقسيم المُقسّم وتفتيت المفتَّت ومشروع الشرق الأوسط الجديد ومصطلح حدود الدم، فقد رُدِّدت هذه العبارات على ألسنة عشرات المفكرين والمحللين السياسيين مئات المرات بعد عام 2000 ،وقد زاد استخدام هذه المصطلحات بشكل مكثَّف خلال الحرب الحالية في سوريا، لتصبح في الأشهر الفائتة حلولاً يروِّج لها بعض السياسيين والمطلعين على خفايا مراكز القرار .

حدود الدم :

في العام 2003 نشرت وزارة الخارجية اﻷميركية خريطة في موقعها الرسمي بعنوان “حدود الدم” يصور الشرق الأدنى من أفغانستان حتى فلسطين المحتلة ويشرح تفاصيل النزاعات الدموية الحالية والمستقبلية فيها ، مما لا يترك مجالاً للشك أن هذه الخريطة كانت مشروع أميركي يجري العمل به وفق خطوات مدروسة وثابتة

وأعلنته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة “كوندوليزا رايس” في أكثر من محفل دولي تحت اسم مُلطَّف بعنوان ( الشرق الأوسط الجديد ) ،ولم يُكتَب لهذا المشروع في معركته الأولى النجاح فهُدِّم في حرب ال 33 يوماً في تموز 2006 على يد أبطال المقاومة في لبنان، ليعمل بعدها العدو في الأعوام اللاحقة على تنفيذ خطته بوسائل مختلفة كان آخرها المشروع الذي سُمِّي ” بالـربيع العربي ” وفوضاه القاتلة.

نشاهد اليوم في عرضٍ سريعٍ لصورة الأحداث أن هذا المشروع والمقصود – الشرق الأوسط الجديد – أو “حدود الدم”، قد أخذ خطواته التنفيذية وبدأت بعض الكانتونات بالظهور في الشمال الشامي، تحت مسمى كانتون كوباني والجزيرة الخاص بالكورد، ومع تمدد تنظيم داعش في البادية الشامية خلق كانتون آخر للسوريين السُّنة ، لتبقى منطقة الغرب في الشام تحت عنوان “سوريا المفيدة ” فتضم خليط منوع من الأقليات الدينية والعرقية.

العراق وحدود الدم :

في العراق هناك ثلاث كانتونات واضحة المعالم منذ خروج الاحتلال الأميركي منه وهو كانتون في الشمال للكورد يهدد رئيسه اﻵن بالانفصال في حال لم تستَجب الحكومة الكونفدرالية في بغداد لمطالبه، وكانتون في الوسط معظمه يصبح اليوم تحت سيطرة تنظيم داعش متصل مع كانتون البادية الشامية وكانتون في الجنوب للبقية الشيعية .

هذه هي طبيعة خريطة المنطقة اليوم والمهيَّئة للمزيد من التَّفتيت مع استمرار المعارك فالمشروع لم يثبِّت أركانه بعد والأيام القادمة ستحمل الكثير من التطورات التي سوف تخدم ما سوف يأتي في هذا المقال .

في الأمس أطلَّ الأمين العام لحزب الله اللبناني خطيباً في جمهوره بمناسبة ذكرى اندحار الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان ليتحدث عن “الخطر الوجودي ” فشرح منهجية عمل التنظيمات الإرهابية التكفيرية وإلغاءها للآخر حتى الذي يعمل معها وعن مذابح هذه التنظيمات التي يذهب يومياً ضحيتها الآلاف من أبناء شعبنا،وما تشكِّله هذه الإيديولوجيات التكفيرية من خطر وجودي هو الأول من نوعه في التاريخ.

إن ما تفضَّل به سماحة الأمين العام قد جاء على لسان باعث النهضة القومية الاجتماعية “أنطون سعادة” في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي الذي خطَّ العديد من المقالات عن الخطر الوجودي الذي يستهدف هذه الأمة، بدأ بالخطر اليهودي و الدور التركي والوهابي وتحالفهما الطامع بخيرات هذه الأمة، وليس انتهاءً بغياب الوعي القومي وفقدان هذه الأمة لروحها وهويتها .

ولمواجهة مشروع تدمير وتفتيت الأمة وضع سعادة عقيدة تامة تكفل إعادة الوعي القومي لشرايين هذه الأمة وبعثها من جديد موضحاً الأخطار المُحدقة بكيانها وشكل المؤسسات الكفيلة بالوقوف في وجه مشروع التفتيت وأدواته .

إلا أنَّ الطفولة السياسية لدى سياسيّي مابعد الاستقلال اعتبرت أن مشروع سعادة موجَّه ضدها فشنَّت الحرب عليه وعملت على معاداته وزجّ أتباع مشروعه في السجون، وعملت على تشويه صورته لدى أبناء شعبنا، فقالت عن مشروع النهضة أنه مشروع استعماري وروَّجت للمشروع العربي فأصبح بذلك سياسيُّو بلادنا أدوات في يد المشروع المضاد للأمة العامل على تفتيت الدولة الوطنية أو الدولة – الأمة .

مشروعنا الحقيقي لمواجة مشروع حدود الدم :

نحن اليوم أمام هذا الخطر الوجودي الذي يستهدف جميع مكونات هذه الأمة، يجب أن نقف معاً معلنين عودتنا إلى مشروعنا الحقيقي الذي يكفل بعث أمتنا من جديد وإعادة بناء هذا المجتمع المتهالك بالعودة إلى الحلول التي طرحتها العقيدة القومية الاجتماعية فلا يوجد مشروع حقيقي متكامل مجابه لـ “مشروع التفتيت والتقسيم” سوى مشروع الدولة السورية القومية الاجتماعية .

إقرأ ايضاً: هل تنحي الأسد ينهي الأزمة السورية

Facebook
Twitter
LinkedIn

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top